آثر التحلي بالأخلاق الكريمة
في سعادة الفرد و رقي المجتمع
الأخلاق
لا شكّ بأنّ الأخلاق هي سمة المُجتمعات الرّاقية المُتحضّرة، فأينما وُجِدَت الأخلاق فثمّة الحضارة والرّقي والتّقدم، ولما أرسل الله تعالى نبيّه محمّد -عليه الصّلاة والسّلام- جعل من مَهمّات دعوته وصميم رسالته أن يُتمّ الأخلاق ويُكمّلها، فالأخلاق موجودة راسخةٌ برسوخ الأمم ونشوئها قبل النبوّة والبعثة، غير أنّها كانت ناقصةً مسلوبة الروح والمضمون، فجاءت الشّريعة الإسلاميّة لتُكمّلها وتُلبسها لباساً يُجمّلها ويَجعلها في أحسن صورة، والأخلاق الحسنة هي حالة إنسانيّة سلوكيّة يسعى كثيرٌ من النّاس الباحثين عن الكمال للوصول إليها وإدراكها، والأخلاق ترفع درجة الإنسان في الحياة الدّنيا وفي الآخرة، فالنّاس يُحبّون صاحب الأخلاق الحسنة الحميدة ويتقرّبون إليه ويتمنّون صحبته وصداقته، وهي كذلك ترفع درجة المُؤمن عند ربّه جلّ وعلا، بل وتجعله من أقرب النّاس مَجلساً إلى رسول الله يوم القيامة، وقد ورد عن النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- أنه قال: (إنَّ أحَبَّكم إليَّ وأقرَبَكم منِّي في الآخرةِ أحاسِنُكم أخلاقًا وإنَّ أبغَضَكم إليَّ وأبعَدَكم منِّي في الآخرةِ أسوَؤُكم أخلاقًا المُتشدِّقونَ المُتفيهقونَ الثَّرثارونَ).
مفهوم الأخلاق
الأخلاق هي المبادئُ والقواعدُ المُنظِّمةُ للسُّلوكِ الإنسانيّ، وقد دعا الإسلام إلى الالتزام بالأخلاق الحميدة والتَمثُّل بها، وحثّ على حفظها وصيانتها، وقد نفت الشريعة الإسلامية صفة الكمال العقائديّ والدينيّ عمّن يُخالف تلك الأخلاق ويُناقضها ولا يلتزم بها.
الخُلق هو حال للنفس داعيةُ إلى أفعالها من غير فكرٍ ولا روِّية، كما قال ابن مسكويه. بمعنى أن صاحب الخلق إرادته تابعة لخُلقه، والفعل تحت طوع الخُلق. فعلى سبيل المثال؛ أحد الجيران يشتعل بيته، فنجد أنَّ جاره الذى كان يجلس فى نفس اللحظة -يتناول الطعام مع أطفاله- يقوم مُسرعًا ملهوفًا لنجدة جاره بدون تفكير فى أى شئ غير ذلك. يُسيطر على إرادته أن نجدة جاره هو الفعل المُسيطر والمهيمن فى هذه اللحظة وليس الجلوس مع أطفاله.
ونحن-البشر- نلحظ الأخلاق بآثارها الخارجية على أصحابها، ففى المثال السابق نستطيع أن نقول أن هذا الرجل مُتخلق بخلقٍ نجدة الملهوف، ونستطيع أيضًا أن نقول أنه صاحب خلق حسن بالمعنى الخاص، و هو إنسان خلوق بالمعنى العام.
ونستطيع التمييز أيضًا بين الخلق الحسن والخلق السئ. فهذا واحد آخر لديه محل تُجارىّ ولديه عمال مساعدون بالمحل، وجل تعامله معهم يكون بالفظاظة والغلظة واللؤم. ولذلك نستطيع الحكم عليه بأنه رجل فظ، غليظ، لئيم. وأنه كذلك صاحب خلق سئ.
فالأخلاق كالنبع الذى يروى النباتات، فإن كان نبعًا صافيًا زلال؛ كانت النباتات يانعة صالحة جميلة المظهر، وإن كان النبع عكرًا فاسدًا مُلوّثًا؛ لرأينا نباتات صفراء فاسدة . فالأخلاق إنعكاس للنفس البشرية.
ولأن الإنسان العاقل محب لكل ما هو خير وجميل وحسن؛ يسعى دائمًا لتنقية نفسه مما انطبعت عليها من أخلاق سيئة. فهو كما ينقى ثوبه من الأدران والأوساخ، ينقى نفسه مما انطبع عليها من موبقات ورذائل. لأنه يريد أن يكون سعيدًا بنفسه كما هو سعيدًا بجسده المنتصب القامة عن سائر الكائنات.
والأخلاق منها ما يترسَّخ بالنفس حد الثبات، ومنها ما هو مؤقت لم تُتَحْ لها الفترة اللازمة حتى تتمكن بالنفس وتكون صفة راسخة. فإن كانت هذه الصفات الراسخة حسنة؛ فأنعم بها وأكرم لصاحبها ومن حوله. وإن كانت سيئة فبئس لصاحب الخلق ومن حوله. فالأخلاق لها انعكاسان أحدهما خاص والثانى عام؛ فهى تنعكس على صاحبها وتُكون شخصيته بشكل خاص، كما أنها أيضًا تنعكس على المجتمع ككل؛ فصاحب الخلق هذا يتعامل مع غيره فى الشركة، فى المصنع، فى المدرسة، فى المستشفى… إلى آخره. فلنتخيل سويًا ماذا سيحدث لشركة ما فى بلد ما إذا كان مديرها طيب الخلق، عطوف، مُقدِّر لمجهود موظفيه؟ وماذا سيحدث لهذه الشركة إن كان مديرها سئ الخلق ومقدر لمجهود موظفيه؟!
لا شك أننا أدركنا أن الأخلاق تأثيرها لا يرتبط بالفرد وحده بل بمن حوله ومحيطه أيضًا. والفرد الخلوق نواة لمجتمع صاحب أخلاق قويمة. ولنضرب مثلًا على تأثير الأخلاق الفردية على المجتمع؛ ففى إحدى الدول الغربية حدث أن انقطعت الإضاءة عن المدينة بأكملها، ويذكر صاحب مطعم فخم أنَّ مطعمه كان مزدحمًا فى تلك الليلة بالعُملاء ولِيُفَاجأ صاحب المطعم بعد عودة الإضاءة للمدينة ولمطعمه بأن جميع العملاء قد تركوا المطعم جميعًا دون أن يحاسبوا على ثمن وجباتهم!! فالأخلاق إن لم تكن حاكمة فى مجتمع، لرأينا أكثر المجتمعات تقدمًا علميًا تُقاسى الويلات بسبب انعدام الأخلاق.
وكما أن النبتة تُراع وتتابع حتى نحصل على أجود الثمر، فكذلك الخلق الحسن يحتاج أن يُراع ويتابع حتى يتمكن فى النفس وتحصل السعادة الفردية لصاحب الخلق، وكذلك السعادة والنفع لمجتمعه بمشاركته النافعة.
ومتابعة الأخلاق الحسنة وغرسها بالنفس، ونبذ الأخلاق السيئة تحتاج إلى إخلاص وصبر دؤوب. فالإنسان عندما يبدأ الكذبة يُطلق عليها مسميات من شأنها أن تخفى حقيقة خلق الكذب السيئة، فيطلق مثلًا لفظ “كذبة بيضاء” يبرر لنفسه أنه لا يفعل شيئًا مشينًا، ثم يستمر ويستمر حتى يصبح الكذب صفة راسخة فى نفسه. فكذلك الخلق القويم الحسن بالضبط. عندما يبدأ الإنسان بمعالجة خلقه السيئ كالبخل مثلًا؛ فإنه يبدأ بالضغط على نفسه لأنه يخالفها فيعطى ولو القليل، ثم يعطى، ويعطى حتى يبدأ بالتحلى بصفة الكرم.
فالأخلاق الحسنة تُرَقِّى الإنسان وتُعلى من قدره وترفعه إلى كماله حتى يستحق بذلك خلافة الإله الحكيم فى الأرض. والأخلاق الحسنة هى الكاشفة دائمًا إلى طريق الحقيقة.
أهمية التمسك بالأخلاق الحميدة
في الحديث السابق دليل واضح على أهمية التمسك بالأخلاق في التعامل مع الناس ، حيث أن المعاملة الحسنة تجعل الانسان أقرب ممن حوله ،كما أنه يستطيع أن يصل إلى قلوب من حوله ، ومكارم الأخلاق تكسب الانسان الدارين الآخرة والدنيا ، فهو سيجد محبة شديدة ممن حوله من الناس ، كما أنه في الدار الآخرة سينال صحبة الرسول في الجنة
أهمية التمسك بالأخلاق الحميدة و أثره على المجتمع والأخلاق
لم تقتصر فقط على المسلين بل شملت جميع الناس من مختلف الديانات ، حيث أن حسن الخلق يعني النهوض بالمجتمع والرقي به ، فعندما يراعي الانسان حرمة أخيه الانسان ،أو عندما يتلفظ ألفاظاً حسنة أثناء الحديث معه ستبقى الألفة قائمة بين الناس على مر العصور
أهمية الأخلاق الحميدة و أثرها على عمل الإنسان الصالح
كما أن حسن الخلق من أكثر الأعمال التي يتقرب بها الانسان إلى الله ، وهي كفيلة بأن تزيد حسنات الانسان في ميزانه، وإن صاحب الخلق الحسن يكون من خير ما على الأرض ، حيث أن الرسول كان دوماً يشدد في التحذير من إيذاء الآخرين سواء باللسان أو باليد ، أو حتى من خلال النظرات . فلو تخيلنا مجتمع لا يحترم فيه أحد الآخر ،كما ترك الكل أخلاقه ، سنجد أن هذا ينتهك حرمة بيت هذا ويهتك عرضه ، كما أن سوف يقوم بالتعدي على حقوق هذا دون أن يشعر بأدني ذنب ، الأمر الذي يعني فساد المجتمع وتهتك العلاقات لأبعد حد ، وعلى قول الشاعر : إنما الأمم الأخلاق ما بقيت ** فإن ذهبت اخلاقهم ذهبوا
أمثلة على الأخلاق الحسنة
كما أن حسن الخلق عند الله عظيم تماماً كعظمة القيام والصيام ، حيث أن الخلق الحسن يقيد صاحبه من ارتكاب المعاصي ، ومن أمثلة حسن الخلق : رفع الأذى عن الطريق ، الاحسان إلى الفقير ، العطف على الصغير ، واحترام الكبير ، الاحسان إلى الشيخ الكبير وإلى السيدة العاجزة الضعيفة ، الاحسان إلى الزوجة وإلى الوالدين ، أن يسلم الناس من لسان الانسان من أذاه ، كما أن يكون محبوباً بين الناس في جميع الأمور التي يفعلها .

تعليقات
إرسال تعليق