بحث عن مكافحه البطالة في الصين

كما تعانى مصر من البطالة، تعانى كل دول العالم منها الغربى والمتقدم كأمريكا وبلدان أوروبا من ذات المشكلة، ولكن الفارق فى هذه الدول أنها رصدت منذ البداية أعداد العاطلين، وسعت بطرق متقدمة وحضارية بل وأحياناً باللجوء إلى أفكار مجنونة لعلاج مشكلة البطالة، أو على الأقل الحد منها وتقليصها للحد الذى لا يشكل خطراً أو تهديداً كبيراً على المجتمع، فلا يمكن أبداً إنكار أن البطالة مشكلة عالمية، وتتفاوت معدلاتها من بلد لآخر، لكنها باتت منخفضة فى الدول المتقدمة بسبب الحلول المتطورة لمواجهتها، ففي الوقت الذي يقدر فيه معدل البطالة في البلدان العربية حوالي 15% في المتوسط من إجمالي قوة العمل، تتراوح النسبة في الدول المتقدمة بين 3٫7% في اليابان، و7٫3 في دول منطقة اليورو بالاتحاد الأوروبى، و«الوفد» تستعرض فى السطور التالية كيف تمكنت الدول من رصد معدلات البطالة بدقة، وكيف عملت على مواجهتها والحد من معدلاتها.
تجربة الصين
وقد حققت الصين معجزة فى مواجهة البطالة، وحققت منجزات تنموية وقدمت تجربة متميزة في مجال النهضة الصناعية والتقنية فى بلد يزيد تعداد سكانه علي المليار نسمة، وأثبتت الصين أنه ليس بافتتاح الجامعات وزيادة خريجي التخصصات العلمية والهندسية وحدها تحل مشكلة البطالة، فتوجهت إلى إنشاء المعاهد الفنية رفيعة المستوى، وتوجيه الاستثمارات الصناعية لخلق فرص عمل حقيقية، وتأهيل الشباب لهذه الأعمال لتتوافق مع احتياجات سوق العمل، واحتلت الأعمال اليدوية جانباً كبيراً من هذه التجربة.
أعلنت الحكومة الصينية عن بلوغ معدلات البطالة خلال سبتمبر (أيلول) الماضي نسبة 3.95 في المائة، وهو من أدنى المستويات تاريخيا، ولكن الدولة ترى أنها لا تزال تواجه تحديات بشأن توفير فرص العمل الكافية.
وقالت وزارة الموارد البشرية والأمان الاجتماعي، في بيان أمس، إنه تم توفير 10.97 مليون وظيفة منذ يناير (كانون الثاني) وحتى سبتمبر من هذا العام، بزيادة 300 ألف وظيفة عما تم توفيره العام السابق، وهو ما يمثل مجمل الوظائف التي كانت تستهدفها الوزارة خلال العام الحالي.
وقبل أيام نشرت وكالة شينخوا، الوكالة الرسمية الصينية، تقديرات مكتب الإحصاءات الصيني للبطالة في سبتمبر والتي بلغت 4.8 في المائة، وهو أدنى مستوى للمؤشر منذ 2012. وإن كان يرتفع قليلا عن مؤشرات البطالة الحكومية.
وتقول وكالة رويترز إن العديد من المحللين يشككون في مصداقية المعدلات الصادرة عن الحكومة لأنها تقيس البطالة فقط في المناطق الحضرية، كما أنها لا تأخذ في اعتبارها ملايين المهاجرين الذين يشكلون الأساس للقوى العاملة الصينية.
وبحسب موقع قناة «سي إن إن» الأميركية، فإن البطالة موضوع ذو حساسية في الصين أكثر من أي بلد آخر، والاضطرابات العمالية واحدة من أكثر العوامل المثيرة للقلق في بكين.
ويُرجع موقع القناة الأميركية حساسية قضية البطالة إلى التاريخ المؤلم لتقليص الوظائف الحكومية في البلاد، حيث تم تخفيض 40 مليون وظيفة بين 1995 و2002.
وقد تضطر الصين لتطبيق تخفيضات كبيرة في الوظائف خلال الفترة المقبلة في ظل عزمها تقليص الطاقات الإنتاجية في مجالي الفحم والصلب، الأمر الذي قد يترتب عليه فقدان 1.8 مليون فرصة عمل، وفقا للقناة الأميركية.
وكانت الصين تسوق جزءا ضخما من إنتاجها في مجالي الفحم والصلب محليا بفضل معدلات النمو الاقتصادي القوية التي كانت تشجع على التوسع في عمليات التصنيع والبناء، لكن الطلب المحلي انخفض بقوة في الوقت الراهن في ظل معدلات النمو المتدنية.
وواجهت الصين انتقادات دولية بسبب انخفاض أسعار صادراتها من الفحم والصلب، لدرجة أن أوروبا فرضت رسوم إغراق على منتجاتها من الصلب، الأمر الذي جعل تخفيض الطاقات الإنتاجية أمرا يصعب تجنبه.
وقالت وزارة الموارد البشرية في أبريل (نيسان) الماضي إن الصين ستحتاج لإعادة توطين نحو نصف مليون عامل سيفقدون وظائفهم في قطاعات الفحم والصلب هذا العام.
كما ينتظر الحكومة الصينية ملف آخر يتعلق بالشركات المملوكة للدولة المتوقفة عن العمل والتي لم تسرح العمال خوفا من الاضطراب الاجتماعي والمعروفة باسم «شركات الزومبي»، وتوجد تقديرات بأن إصلاح هذا الملف قد يترتب عليه فقدان خمسة ملايين وظيفة.
كل تلك العوامل تجتمع مع تباطؤ معدلات النمو الصينية في الوقت الراهن، والتي بلغت أدنى مستوياتها في 26 عاما، مما يضع أمام الحكومة تحديات كبرى في توفير الوظائف الكافية.
ولا ينكر وزير الموارد البشرية الصيني ين ويمن جسامة التحديات، إذ قال خلال الإعلان عن مؤشرات البطالة إن زيادة القدرة التوظيفية بشكل عام لا تزال تواجه ضغوطا. وتابع: «نحتاج لخلق 15 مليون وظيفة كل عام»، مشيرا إلى أن الجامعات الصينية تُخرج كل عام 8 ملايين خريج يتجهون لسوق العمل.
ومن المقدر أن كل معدل نمو بواحد في المائة في الناتج الإجمالي الصيني بين عامي 2015 و2020 ينتج 1.8 مليون وظيفة، كما أضاف ين.
أرقام وحقائق عن الصين لمكافحه الفقر و البطاله
في نوفمبر عام 2013، طرح الرئيس شي لأول مرة عند زيارته مقاطعة هونان بجنوب الصين نظرية "مكافحة الفقر بشكل دقيق" والتي أشار فيها إلى وضع مخطط خاص لكل فقير نظرا لاختلاف الحالات المعيشية للأفراد من أجل التخلص من الفقر بشكل تام، وهو ما يكشف بوضوح توجه العمل الخاص بمكافحة الفقر مستقبلا ويرسي أساسا متينا لتحقيق الهدف المتمثل في القضاء على الفقر المطلق وإنجاز بناء مجتمع رغيد العيش على نحو شامل في عام 2020.
ووفقا للإحصاءات المنشورة حديثا، ففي الأعوام الخمسة الماضية، تم انتشال ما يقرب من 68مليونا من السكان الفقراء من الفقر وخفض نسبة حدوث الفقر من 10.2 في المائة إلى 3.1 في المائة. ففي نهاية عام 2012، كان هناك في الصين قرابة 98.99 مليون شخص تحت خط الفقر، ونجحت الصين في نهاية العام الماضي في خفض هذا الرقم إلى ما يصل إلى نحو 20.46مليون، أي تم انتشال أكثر من 13 مليون شخص من الفقر كل سنة.
إضافة إلى ذلك، شهدت إيرادات السكان المقيمين في المناطق الريفية الفقيرة ارتفاعا بالغا، حيث تظهر الأرقام أن معدل الدخل المتاح لهم ازداد بنسبة 10.4 في المائة سنويا منذ بداية عام 2013 ليبلغ 9377 يوانا في عام 2017، وهو ما يعادل قرابة 4 دولارات يوميا ويفوق بكثير خط الفقر الذي يساوي 1.9 دولار يوميا وفقا لمعيار المجتمع الدولي.
وطوال الأعوام الخمسة الماضية، ظلت الصين تبذل جهودا حثيثة في مجال مكافحة الفقر كون هذه المكافحة تمثل حلقة هامة في إنجاز عملية بناء مجتمع رغيد العيش عام 2020، وهذه الجهود شكلت تجربة الصين المثالية الخاصة في حوكمة البلاد ونالت إشادة واسعة من المجتمع الدولي.
وتكمن أحد أهم خبرات هذه التجربة في الدقة في مجال مكافحة الفقر لكي لا يترك أحدا في هذه العملية. ووفقا لإحصاءات لم تكتمل بعد، تم إجراء جولات عديدة من عمليات إعادة الفحص والتصحيح لتحديد قائمة السكان الفقراء بشكل دقيق، ونجحت الحكومة الصينية في إدراج 10.5مليون شخص تحت خط الفقر في القائمة، وحذف 9.3 مليون من السكان الذين لم يستوفوا المعيار خارجها، وهذا ما يضمن عدالة ومساواة المجتمع والإدارة الفعالة لعملية المحاربة.
وتتمثل الخبرة الهامة الأخرى في مكافحة الأمية قبل مكافحة الفقر وبذل جهود لخلق فرص عمل بدلا من مجرد رصد المبالغ، وهذا من أجل ضمان خروج الفقراء من خط الفقر بشكل كامل وعدم العودة إليه مجددا. فتظهر بعض الأرقام أن عدد الطلاب الملتحقين بالجامعات الرئيسية من المناطق الفقيرة شهد تزايدا ملحوظا خلال الأعوام الخمسة الماضية على التوالي، وقد بلغ عددهم في عام 2017 قرابة 100 ألف، بزيادة نسبتها 9.3 في المائة. إضافة إلى ذلك، وصلت نسبة البطالة في عام 2017 إلى قرابة 3.9 في المائة، لتشكل بذلك أدنى مستوى لها منذ 15 عاما.
-- خبرات الصين المثالية تقدم نموذجا للعالم العربي
إن مكافحة الفقر في الصين لا تعد محط إشادة المجتمع الدولي فحسب، وإنما تقدم خبرات قيمة لبعض الدول العربية التي تتشابه مع الصين في الظروف الوطنية.
وفي هذا الصدد، ذكر محللون صينيون أن مصر على سبيل مثال تبذل جهودها الحثيثة لتخفيض الفقر في البلاد مع وضعها جدولا شاملا للقضاء على الفقر المطلق في عام 2030 وفقا لخطتها للتنمية المستدامة "رؤية مصر 2030 " كونها دولة متشابهة الظروف مع الصين.
يذكر أن مصر تسعى إلى إقامة عدة مشاريع عملاقة في البلاد من أجل الحد من الفقر وتحسين معيشة الشعب وإنعاش الاقتصاد القومي، وعلى رأسها مشروع المثلث الذهبي في محيط منطقة صعيد مصر الذي من شأنه أن يساعد في دفع النمو الاقتصادي وتخفيف الفقر في محافظات مثل قنا وسوهاج والمنيا، ومشروع الفرافرة الذي يتضمن استصلاح 1.5مليون فدان بهدف تطوير الزراعة على طول نهر النيل، فضلا عن مشروع محور قناة السويس الذي يسعى إلى مساعدة البدو الفقراء على التخلص من المشقات المعيشية.
"إن الصين ومصر لديهما العديد من أوجه التشابه في الإجراءات المتعلقة بتنمية البلاد"، هكذا علق داي شياو تشي الخبير الصيني المخضرم في الشؤون العربية والمصرية، مستشهدا بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس التي تجد توأمها في الصين وهي مدينة شنتشن بجنوب الصين فضلا عن العاصمة الإدارية الجديدة التي تتشابه مع منطقة شيونغآن بمحيط العاصمة بكين من أجل حل مشكلات المدن الكبرى.
وأضاف أن خبرات الصين في مكافحة الفقر تستحق الدراسة من مصر مع وضع الصين لجدول زمني للقضاء على الفقر عام 2020، وهو ما يقدم تجربة مبكرة وقيمة يمكن أن يتقاسمها البلدان العربية في هذا المجال.
واقترح قائلا إن خبرات الصين في مكافحة الفقر التي يمكن لمصر دراستها تتجسد بشكل رئيسي في مواصلة مكافحة الأمية وحل مشكلة البطالة باعتبارهما من أهم جذور الفقر، علاوة عن زيادة التمويل وتطوير المشاريع المتعلقة بهذا المجال.
"من المؤكد أن مصر حققت إنجازا إلى حد ما في هذين المجالين من خلال زيادة التمويل التعليمي وجذب الاستثمارات الأجنبية التي توفر المزيد من فرص العمل، إلا أن النسبة لا تزال مرتفعة نسبيا ويتطلب ذلك بذل مزيد من الجهود لوضع نسبة الأمية والبطالة في حيز معقول"، هكذا قال داي مشيرا إلى أن مصر نجحت في تخفيض نسبة الأمية إلى 25.8 في المائة ونسبة البطالة إلى 11.8 في المائة وفقا لأرقام صادرة عن الجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة والإحصاء حديثا.
تعليقات
إرسال تعليق